ايجي هلب - افلام - مسلسلات - بث مباشر مباراة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحلقة الاولى من مذكرات احمد ابو الغيط : 40 عام شاهدا على الحرب و السلام

اذهب الى الأسفل

الحلقة الاولى من مذكرات احمد ابو الغيط : 40 عام شاهدا على الحرب و السلام Empty الحلقة الاولى من مذكرات احمد ابو الغيط : 40 عام شاهدا على الحرب و السلام

مُساهمة من طرف Eghelp الأربعاء 25 سبتمبر 2013, 3:10 pm

اضغط هنا للدخول لصفحة احدث ما اضيف للموقع

Eghelp ايجي هلب

↑ Grab this Headline Animator







الحلقة الاولى من مذكرات احمد ابو الغيط : 40 عام شاهدا على الحرب و السلام



الحلقة الاولى من مذكرات احمد ابو الغيط : 40 عام شاهدا على الحرب و السلام YZ9NX

الحلقة الاولى من مذكرات احمد ابو الغيط : 40 عام شاهدا على الحرب و السلام 154276_660_4144930_opt

نقلا عن الوطن : 


ها هو يقدّم فى الكتاب الثانى، الذى يحمل مذكرات حياته العملية فى جزئها الأول، ملامح جديدة لصناعة السياسة الخارجية المصرية منذ نكسة يونيو عام 1967 وحتى توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، حيث منحته الأقدار فرصة العمل فى مكتب مستشار الأمن القومى المصرى محمد حافظ إسماعيل فى نهاية العام 1971، كما اختارته ضمن مجموعة عمل الإعداد لاتفاقية السلام فى العام 1977. عن كتاب «شاهد على الحرب والسلام» لوزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط، والصادر عن دار نهضة مصر للنشر، وتنفرد «الوطن» بنشره باتفاق خاص مع «نهضة مصر»، حيث يروى لنا فيه أجواء الحرب وكواليس السلام، وكيف أن الجيش ورجاله مهدوا للدبلوماسية المصرية أن تحقق مكاسب استراتيجية مكّنتها من التفاوض على تحقيق مكاسبها واستعادة أرضها التى فقدتها فى الخامس من يونيو 1967.


 فى الحلقة الأولى من الكتاب يحدثنا أحمد أبوالغيط عن لحظات صعبة فى تاريخ مصر، لندرك حجم الضغوط التى تعرض لها متخذ القرار السياسى قبل وأثناء وبعد الانتهاء من حرب أكتوبر، فى وقت كانت تتلاعب بنا القوى السياسية فى العالم وفقاً لمصالحها.


كانت روسيا تمتلك السلاح ولكنها لا تعطيه وتوفره فى الوقت المطلوب، وكانت الولايات المتحدة تناور لمنح إسرائيل الفرصة لتحقيق أكبر مكسب، وفى الداخل كان القرار شديد الحسم فى وقت شديد الأزمة.. لن نخسر جيشنا مرة أخرى. قاتلنا ودخلنا عمق سيناء وعبرنا القناة، وحينما بدأ الجسر الأمريكى أعلنها رئيس الدولة إدراكاً لحجم الموقف: «نقبل وقف إطلاق النار وفقاً للمعطيات الجديدة». صفحات تستحق أن تُقرأ فى الذكرى الأربعين لتلك الحرب الخالدة..


فإليكم الحلقة الأولى. العبور بلا خسائر «لا أصدق السرعة التى يتم بها العبور رغم حجم القوات.. التقارير المتواردة إلينا من الجيش تقول إن وجود القوات حالياً هو فى حدود 2000 ياردة.. وتقديرى أنه يجب توسيع العمق وإلا فسوف يهدد العدو رأس الكوبرى.. رد فعل العدو لن يأتى إلا غداً الأحد أو حتى الإثنين 8 أكتوبر.. الجميع بدأ يستشعر التفاؤل».


هكذا يبدأ وزير الخارجية الأسبق الحديث عن لحظة العبور التى سبقها الكثير من الإعداد والاتصالات والمخاوف أيضاًَ من تكرار وقوع هزيمة. ولذا يروى أبوالغيط كيف كان حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومى، فى اتصال دائم مع الرئيس السادات من جانب لإخطاره بكل تطورات الوضع الدولى والسياسى وبخاصة تلك الواردة من الأمريكيين، أو الاتصال بالدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية المصرى الموجود فى نيويورك وقتها.


كانت الأحداث متلاحقة، والعالم لا يصدق إقدام مصر وسوريا على البدء بضربة عسكرية لإسرائيل المدعومة من الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. لقد مرّ يوم السادس من أكتوبر بنجاح فاق التوقعات لا فى حجم الإنجاز فقط، ولكن فى نسبة الخسائر أيضاً.


حتى حينما حاول الطيران الإسرائيلى ضرب قواعدنا الرئيسية، تصدت له مقاتلاتنا ودارت معارك فقد فيها الإسرائيليون عنصر المبادأة. وعبرت فرقتا الجيش الثالث، الفرقة 19 بقيادة العميد «فؤاد عفيفى» والفرقة 7 بقيادة العميد «أحمد بدوى»، وفرق الجيش الثانى مشاة؛ وهى الفرقة 16 بقيادة العميد «عبدرب النبى حافظ» والفرقة الثانية بقيادة العميد «حسن سعدة» والفرقة 18 بقيادة العميد «فؤاد عزيز غالى»، ومعهم لواء مدرع إضافى على تسليح كل فرقة، كل تلك القوات عبرت القناة يوم السادس من أكتوبر، وبات لدينا نحو 400 دبابة شرق القناة. ووسط تلك الأحداث العسكرية، وصلت برقية وزير الخارجية المصرى من نيويورك تخبر القيادة المصرية باتصال هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى به؛ حيث طالبه بعودة القوات المصرية إلى غرب القناة، وكأن شيئاً لم يكن! مهدِّداً إياه بأن استمرار مصر فى عملياتها العسكرية قد يكون له عواقب ضارة عليها، إذ قد تتحول العمليات إلى غير صالحها.



يا الله نفس التعالى فى التعامل معنا حتى اليوم، هم لا يخطئون ونحن من نخطئ، هم يعرفون مصلحتنا أكثر منا ونحن لا نعرف! ولعل نفس الإحساس الذى ينتابك وأنت تقرأ تلك الرسالة من كيسنجر، هو ما تولد لدى كاتب المذكرات الوزير الأسبق أبوالغيط؛ حيث يقطع حديث السابع من أكتوبر عام 1973، ليأخذك إلى نيويورك عام 1999 حينما كان يشغل منصب مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة وكان يحضر إحدى المناسبات التى التقى فيها هنرى كيسنجر بين المدعوين، ودار بينهما حديث طويل، قطعه أبوالغيط بالقول لكيسنجر -وكأنه يرد عليه بعد مضىّ أكثر من ربع قرن على حرب أكتوبر- حين قال له: «أتعلم يا سيادة الوزير أن حديثك مع الدكتور الزيات فى يوليو 1973 وقولك له: «ليس لدىّ وقت أضيعه على الشرق الأوسط فى الوقت الحالى خاصة أنه ليس لديكم قدرة على تغيير علاقات أو توازن القوى فى المنطقة، وليس فى إمكانكم القيام بأى شىء حرباً، كما أنكم لا تعترفون بضرورة دفع ثمن الهزيمة التى لحقت بكم».. وأضفت بقولى لكيسنجر إن حديثه هذا، وتصرفات أمريكا معنا ساهمت ودفعت أو عجّلت بالقرار المصرى بالذهاب إلى الحرب».



قبل الحرب.. البحث عن حل


يعود بك أبوالغيط مجدداً لفترة ما قبل حرب أكتوبر 1973، ليحكى أن مصر لم تكن عاجزة ولكنها كانت تطرق كل الأبواب لحل أزمتها مع إسرائيل سلماً أو حرباً، حتى إن الرئيس السادات قبل وساطة كل من تشاوتشيسكو رئيس رومانيا الذى كانت تجمعه علاقات طيبة مع جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل، والرئيس اليوغسلافى الأسبق تيتو، فأوفد «السادات» مستشاره للأمن القومى حافظ إسماعيل، للتشاور والبحث مع هؤلاء القادة فى فرص تحريك الأمور نحو تسوية سلمية دون حاجة لحرب أو عمل مسلح، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل. كما أحبطت أمريكا المحاولة المصرية لطرح تسوية مقترحة مع إسرائيل أمام مجلس الأمن فى يوليو 73، حينما صوتت الولايات المتحدة بالفيتو ضد تلك التسوية مقابل 14 صوتاً مؤيداً. ولذا لم يكن أمام مصر سوى الحرب.



لم تكن تلك هى المحاولات الوحيدة لحلّ الأزمة سلمياً، بل سبقها لقاء يومى 25 و26 فبراير عام 1973 بين إسماعيل حافظ مستشار الأمن القومى المصرى وهنرى كيسنجر مستشار الأمن القومى الأمريكى للبحث فى كيفية التوصل إلى تفاهم مصرى- أمريكى فى «لونج أيلاند» بالقرب من مدينة نيويورك.
 يومها عرضت مصر التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع من خلال تنفيذ أمين لقرار مجلس الأمن 242 وبتفسيرات واضحة. ثم كان لقاء آخر فى 20 مايو عام 1973 فى باريس طرح فيه كيسنجر استعداد الولايات المتحدة لتحمل مسئولياتها فى تحريك الموقف، ولكن من خلال فلسفة كيسنجر التى تعتمد مبدأ «خطوة خطوة» وعلى مدى زمنى ممتد -ربما عامان أو أكثر- للتوصل إلى هذه التسوية. فى الوقت الذى لم يكن فيه المصريون يبدون أى تذمر، إلى حد تهديد كافة الأطراف الدولية بأنهم لن يتمكنوا من الانتظار طويلاً بعد مرور ما يقرب من خمسة أعوام ونصف على احتلال أراضيهم، وأن كسر إطلاق النار أو القيام بعمل مصرى عسكرى ليس من الأمور المستبعدة.


يأخذك أبوالغيط للحديث عن إحدى الوثائق الأمريكية عن متابعة الأمريكيين التحضيرات المصرية التى كانت مصر تقوم بها فى ذلك الحين. وتشير الوثيقة الأمريكية، التى كُتبت فى أبريل 1973، إلى وعى أمريكا بزيادة الجهد العسكرى المصرى، والذى وصفه كاتب التقرير التقييمى بأنه «رصد لنوايا عدوانية».
 ومن بين دلائل تلك الرؤية الأمريكية؛ تحريك بطاريات صواريخ سام 6 المضادة للطيران من أسوان والمناطق المحيطة بها فى الربع الأول من عام 1973 إلى مسافة 30 كم من قناة السويس وإلى الغرب منها. ونقل نحو 30 مقاتلة قاذفة من طراز «ميراج 5» الفرنسى من ليبيا التى كانت قد عقدت صفقة شراء لهذه المقاتلات فى عام 1969، وصول 16 طائرة قتال قديمة من طراز «هوكر هنتر» من العراق بطيارين عراقيين وتدريب المصريين عليها وبدء استخدام هذه المقاتلات فى القواعد الجوية المصرية فى أبريل 73. ونقل القاذفات المصرية الثقيلة من أسوان إلى مناطق حول القاهرة، وغيرها من الدلائل التى حفلت بها الوثيقة، وتؤكد أن العالم كان يعلم نية مصر الحقيقية على خوض الحرب، ولكنه لم يكن يعلم متى سيتم ذلك. كان الخداع الاستراتيجى والتكتيكى المصرى على المستوى السياسى والعسكرى قد حقق أهدافه بالكامل تجاه كل من أمريكا وإسرائيل، حتى إن المخابرات المركزية رفعت تقريراً مساء يوم 5 أكتوبر 73 حول احتمالات الموقف، تستبعد فيه قيام مصر بعمل عسكرى مباشر ضد إسرائيل، ومع نشوب القتال أخذت هذه التقارير تقول إن الحرب ستكون قصيرة الأجل، وسوف تنتهى بهزيمة ساحقة للعرب، كما أن أمريكا سوف تضطر للضغط على إسرائيل للقبول بوقف لإطلاق النار خلال أيام قليلة. وكلها توقعات لم تصدق.



نعم.. لم يكن أمام مصر سوى الحرب على الرغم من أن غالبية المسئولين المصريين كانت ضد فكرة القتال لأسباب عديدة، يأتى على رأسها الخوف من عدم القدرة على مواجهة إسرائيل، أو تحمُّل ضربتها المضادة فى حال كانت مصر هى البادئة. ولكن كان الرئيس السادات ووزير حربيته الفريق أحمد إسماعيل على عكس ذلك تماماً، وهيآ الجميع للحرب لأنهما كانا يعلمان ألا طريق آخر أمامهما. 


رسالة حافظ إسماعيل لكيسنجر


هنا يتوقف أبوالغيط أمام رسالة حافظ إسماعيل إلى هنرى كيسنجر، بعد ما يقرب من 48 ساعة من بدء حرب أكتوبر، والتى أثارت الكثير من اللغط والتفسيرات حتى يومنا هذا، وهى الرسالة التى قال فيها حافظ إسماعيل: «إن مصر لا تسعى لتوسيع إطار المواجهة أو تعميقها». وهى الرسالة التى فسرها البعض بأنها كشفت عن نوايا مصر، وأعطت لإسرائيل وأمريكا فرصة رسم ردود فعلهما وعملياتهما تجاه العمل العسكرى المصرى. وهو ما يفنّده أبوالغيط بالقول: «كان الجانب الأمريكى وأطراف عربية كثيرة، تتحدث عن احتمال قيام الأردن بفتح الجبهة الأردنية بشكل يزيد من تعقيد الأمور والحسابات مع إسرائيل، وكان هناك رسائل أمريكية تعرب عن خشيتها من تفاقم الوضع، واتصالاً بذلك وعلى الجانب الآخر من الحرب كانت عمليات سلاح الجو الإسرائيلى تسعى للتعرض للقواعد الجوية المصرية فى الدلتا وبالقرب أيضاً من خط الجبهة. حتى إنها أسقطت قنابلها فى إحدى الغارات على قاعدة جوية قرب مطار طنطا. وكان الرئيس السادات يحاول الإبقاء على خطوط اتصاله مع أمريكا وفى نفس الوقت قصر المواجهة مع إسرائيل على الجبهة المصرية- السورية ليستطيع التحكم فى إيقاع تحركاته الدبلوماسية والسياسية. من هنا كلف حافظ إسماعيل بأن يُخطر كيسنجر بتلك الرسالة».



يشير أبوالغيط فى كتابه للجبهة السورية التى يسجل ضغوطاً عليها من قبَل القوات الجوية الإسرائيلية يوم 8 أكتوبر، وهو ما تسبب فى خسائر كبيرة للغاية إلى حد أن بدأت مصادر سوفيتية تتحدث عن رغبة سورية فى وقف القتال فى أكثر من عاصمة. وازداد الموقف سوءاً على الجبهة السورية حينما أجبرت إسرائيل الجيش السورى على الانسحاب مرة أخرى من الجولان وبخسائر فادحة.. فى ذات الوقت الذى بدأت فيه القوات الإسرائيلية المدرعة والجوية نشاطاً عالياً ضد الجبهة المصرية فى محاولات لاختراق رؤوس الكبارى، وفتح ثغرات فى دفاعات بطاريات الصواريخ على جانب القناة فى الغرب. ولذا كان الضغط الروسى على السادات لإعلان وقف القتال، وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «تزايد الإحساس بصعوبة الموقف يوم 9 أكتوبر، إذ أرسل «برجنيف»، السكرتير العام للحزب الشيوعى السوفيتى، رسالة للرئيس السادات يقول فيها إن سوريا ترغب فى التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار، وإن «برجنيف» يشجع هذا الاتجاه، بل ويحث «الرئيس السادات» على القبول به خشية استمرار العمل العسكرى وتركيزه على سوريا وصولاً إلى دمشق بكل ما يعنيه ذلك من تهديد لمستقبل الوضع بالمنطقة والمصالح السوفيتية بالإقليم وفى علاقتها بالقوة العظمى الأخرى، إلا أن رد «الرئيس السادات» كان حازماً بأن مصر ستمضى فى المواجهة المسلحة حتى تحقق كامل الأهداف السياسية المصرية. ثم أرسل الرئيس السادات مندوباً للتحدث مع الرئيس السورى عن أهمية الاستمرار فى المعركة مع التحول للدفاع بهدف استنزاف العدو، مع طلب المزيد من العتاد من السوفيت فى إطار الإمداد العسكرى، وإشراك الجيش العراقى الذى تحرك ببطء».



ضغوط لوقف إطلاق النار



يعرج أبوالغيط فى شهادته على يوم الأربعاء 10 أكتوبر 73، ويشير إلى حجم الضغوط الهائلة التى مارسها السوفيت على السادات لقبول وقف إطلاق النار، وهو ما يعكس حجم الخسائر على الجبهة الإسرائيلية، ولكن الرئيس السادات يواصل رفضه بحزم، بل واحتد على السفير السوفيتى وهدده بفضح الموقف السوفيتى، طالباً منه استمرار إمداد مصر بالمعدات والجسور والأرايل المطلوبة لبطاريات الصواريخ، وبجسر جوى عاجل. وهو ما يبرره بالقول إن الرئيس السادات كان يستشعر تعرض السوفيت لضغوط أمريكية، وكان يخشى أن يستجيبوا لهم فى تلك المرحلة، فواصل هو ضغوطه عليهم لإشعارهم بتهديد مصالحهم. من هنا اتخذ القادة السوفيت قرارهم ببدء الإمداد للجيشين السورى والمصرى وتعويض الخسائر وتلبية الاحتياجات، إلا أن أبوالغيط يؤكد أن التصرفات السوفيتية تجاه الجيشين كانت تعكس تفضيل دعم الجبهة السورية فوراً فى مقابل تزويد الجيش المصرى بما يطلبه ولكن كمرتبة ثانية. ولذا ابتعدت القوات الجوية الإسرائيلية عن ميناء اللاذقية نتيجة لرسائل سوفيتية حادة بأن الهجوم على أى من السفن السوفيتية فى أثناء رحلتها إلى اللاذقية أو بداخل الميناء سيكون له عواقبه الخطيرة.



شما أشبه الليلة بالبارحة، يدافعون عنا حماية لمصالحهم لا عشقاً للعيون؛ فمع اقتراب المدرعات السورية من الجليل الأعلى عاد التركيز الإسرائيلى على مفهوم «سوريا أولاً»، ومن ثم ظهر هذا الوضع الخطر الذى تعرض له الجيش السورى، وحدوث الاختراق الذى أدى إلى انزعاج سوفيتى من انهيار سوريا وهو ما يهدد مصالحها. وهو ما حتم على القيادة المصرية أن تتحرك فى اتجاه التطوير ومحاولة إما الوصول إلى الممرات بسيناء أو مجرد السعى إلى التخفيف عن سوريا بعملية برية كبيرة على الجبهة المصرية، بعد أن تقدمت مدرعات إسرائيل نحو دمشق فى اختراق عمقه خمسة كيلومترات. يقول أحمد أبوالغيط عن يومى 12 و13 أكتوبر: «كنت أتساءل: ماذا سيحدث إذا ما خرجت سوريا من المعركة؟ سنستمر طبعاً. كنا فى انتظار الصواريخ الفولجا، وأبلغنا السوفيت أنها ستصل خلال يوم أو يومين. وكنا ندرك أن الإسرائيليين سيوجهون جهدهم الأساسى قريباً ضدنا، بينما الرئيس يمارس ضغوطه على أمريكا من خلال دول الخليج البترولية وخاصة المملكة العربية السعودية، مع استمرار الحوار مع «كيسنجر» عبر «حافظ إسماعيل» الذى نقل له تحذير الرئيس السادات من أننا سنضرب المدنيين فى إسرائيل إذا ما استمر ضرب المدنيين المصريين. كان هذا هو التحذير الثانى».



كانت الضغوط على الرئيس السادات تتزايد مطالبة بتطوير الهجوم واحتلال المضايق فى سيناء، وهنا ينقل أبوالغيط رؤية المستشار حافظ إسماعيل حول تلك المسألة نصاً: «إنه وبإتمام القوات المسلحة تحقيق هدفها المباشر بتاريخ 10 أكتوبر، ينبغى أن أشير إلى أننى كنت من خلال أحاديثى مع الفريق أول «أحمد إسماعيل على» قبل نشوب الحرب أدرك أنه لا ينوى التقدم حتى الممرات الجبلية، وأن ما جاء بتعليمات عمليات القيادة العامة بأن الهدف هو احتلال المضايق إنما قُصد به أن يستحث القيادات الصغرى خلال مرحلة بناء رؤوس الكبارى على استمرار التقدم حتى الهدف المباشر للجيش». إذن لم يكن من بين المخطط للجيش المصرى احتلال المضايق قبل الحرب، كما لم تكن هناك رغبة فى المجازفة بتلك الخطوة نظراً لعدم وصول الإمداد العسكرى السوفيتى. كان الرئيس السادات ووزير حربيته الفريق أحمد إسماعيل، يدركان أن فقدان مصر لهذا الجيش، مرة أخرى، أو تكرار هزيمة 67 سوف يمثل الضربة القاضية لنا ونجاح إسرائيل على الجانب الآخر فى الإمساك بسيناء لعقود وربما لأجيال قادمة. من هنا كان الحذر الواضح فى تقييد الجيش وعدم الخضوع لمغريات التطوير ومزاياه. كانت الخبرة القاسية ماثلة أمام عيون الجميع، ولذا كان الإصرار على عدم تكرارها.



فى الثانى عشر من أكتوبر دفعت إسرائيل بالكثير من وحداتها الرئيسية فى اتجاه سيناء. وكشف ذلك، كما يقول الكتاب، تقرير للاستطلاع المصرى فى سيناء، أرسلته العناصر المصرية المنتشرة فى العمق وراء خطوط العدو، بالإضافة إلى تحرك كميات كبيرة من معدات الكبارى المنقولة وبما يؤشر إلى نية إسرائيل فى القيام بمحاولة لعبور قناة السويس. كان التقرير قد عُرض على حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى. وكان السؤال هو: كيف يتصور الإسرائيليون أنهم سينجحون فى إزاحة القوات المصرية المتمركزة أمامهم وكيف يمكنهم التعامل مع الفرق المدرعة المصرية والأخرى الميكانيكية الموجودة غرب قناة السويس وبالقرب منها وهى الفرق المدرعة «21،4» والأخرى المشاة الميكانيكية «23،6»؟ إلا أن تلك المعلومات لم تؤثر على ما اتخذه الرئيس السادات من قرار لتطوير الهجوم تخفيفاً عن سوريا.



يحكى أبوالغيط عن لقاء جمع الرئيس السادات بالسفير البريطانى فى الرابعة من فجر السبت 13 أكتوبر؛ حيث نقل إليه رسالة من رئيس الوزراء البريطانى مفادها أن «كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكية طلب من بريطانيا تقديم اقتراح للمصريين يؤكد على عدم معارضة إسرائيل قرار وقف إطلاق النار على الخطوط الحالية للقوات المتحاربة إذا ما وافقت مصر، وهو العرض الذى سبق للسفير السوفيتى نقله للرئيس السادات ورفضه أيضاً. وها هو يرفض هذا المسعى فى غياب أفق سياسى متكامل للتعامل مع الصدام وتوابعه السياسية. كان الرئيس السادات يرى أن إسرائيل تهاجم سوريا لهدف سياسى وليس عسكرياً للمساومة فى المستقبل، بالإضافة إلى أن العسكريين الإسرائيليين يبحثون عن نصر شكلى يخفى الصدمة الاستراتيجية التى تعرضوا لها وحلّت بإسرائيل. ولذا آمن السادات أن الجبهة الأساسية فى المعركة هى جبهة قناة السويس، ولذا فهى التى ستقرر نتيجة الصراع، مدركاً أن المعركة هى معركة مصر وليست سوريا، وأن الفيصل سوف يكون نجاح مصر فى ضرب الجيش الإسرائيلى فى سيناء، وإجهاض خططه الهجومية ضد القوات المصرية.



ويرصد أبوالغيط رسالة لمستشار الأمن القومى المصرى حافظ إسماعيل، لوزير الخارجية الأمريكى يؤكد فيها أن مصر على استعداد لقبول وقف إطلاق النار شريطة أن تنسحب إسرائيل إلى خطوط 5 يونيو، ويتم بعدها عقد مؤتمر لوضع والاتفاق على سلام نهائى، مشيراً إلى أن مصر لا تمانع فى وجود دولى محدد فى شرم الشيخ للإشراف على حرية الملاحة فى مضيق تيران وصنافير. ولكن كان كيسنجر يناور فى إجاباته استهلاكاً للوقت انتظاراً لنجاح إسرائيلى عسكرى على الأرض.



أمريكا تدخل الحرب



فى الساعة الخامسة مساء يوم السبت 13 أكتوبر قامت إحدى طائرات الاستطلاع الأمريكية من طراز «71 SR» بالمرور فوق الدلتا والقاهرة، ومنها إلى قناة السويس وسيناء وخرجت من العريش عائدة إلى مقصدها الذى انطلقت منه فى قاعدة أمريكية بأوروبا. كانت الطائرة على ارتفاع عال للغاية وبما لم يمكّن المقاتلات المصرية أو نطاقات الصواريخ المضادة من التصدى لها. وكان لهذا الاستطلاع آثاره الهائلة على تطورات المعركة؛ إذ كشفت الصور الجوية التى قدمها الأمريكيون إلى إسرائيل أن الوحدات الرئيسية المصرية الموجودة فى الاحتياط غرب القناة قد عبرت القناة إلى الشرق، بما يعنى النية فى التطوير. وكشفت هذه الصور أيضاً أن غرب القناة قد أصبح خالياً إلى حد كبير من القوات الرئيسية الثقيلة، فتهيأ العدو لتلقى ضربة مصرية جديدة، ودخلت المعركة التى شهدت تطويراً فى الهجوم المصرى صباح الأحد 14 أكتوبر مرحلة شديدة الحساسية. وهو اليوم الذى تكبدت فيه جبهتنا المصرية خسائر شديدة وصلت إلى ما بين 220 و250 دبابة ومركبة مدرعة، فتوقف الهجوم فى المساء لدراسة الموقف. أصاب الجميع القلق من توقف الهجوم وآثاره على المعركة.



توجه الرئيس السادات يوم 16 أكتوبر لمجلس الشعب المصرى لطرح الرؤية المصرية المتكاملة فيما تتصوره مصر من شكل للتسوية المقترحة، وعرض ما توصل له من مباحثات مع كافة الدول، وما تضمنته رسائل محمد حافظ إسماعيل إلى كيسنجر طوال الأسبوع الأول للحرب، كما أكد السادات يومها أن هدف مصر هو استعادة أراضيها فى سيناء وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلى، وأننا على استعداد لقبول وقف إطلاق النار على أساس انسحاب إسرائيل من كل الأراضى المحتلة فوراً وتحت إشراف دولى، ولو حدث هذا فإن مصر على استعداد لحضور مؤتمر سلام دولى بالأمم المتحدة من أجل وضع قواعد وضوابط سلام فى المنطقة يقوم على الحقوق المشروعة لكل الشعوب، مشيراً لاستعداد مصر للبدء الفورى بتطهير قناة السويس وفتحها للملاحة الدولية.



وجاء رد الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها كيسنجر على خطاب الرئيس السادات، كاشفاً عن وجه أمريكا القبيح؛ فقد أكد كيسنجر لحافظ إسماعيل أن الرؤية المصرية التى جاءت فى خطاب السادات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حرب ممتدة، وأن على مصر النظر فى تقييد أهدافها، حيث إن الإصرار على الحد الأقصى للرؤية المصرية يعنى استمرار الصدام المسلح وتعرض كل النجاح المصرى المحقق للتآكل. وركز كيسنجر على مطلبه بأهمية وقف إطلاق النار على الخطوط الحالية مع تأمين موافقة الأطراف المتنازعة ببدء مفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة لإقامة سلام كامل وعادل على أساس القرار 242، مع أهمية التوازن بين السيادة والأمن. فى ذات الوقت قام الأمريكيون بإمداد الجانب الإسرائيلى بالكثير من المعدات الثقيلة والمدفعيات والدبابات والصواريخ المضادة للدبابات لتعويض خسائرهم فى الأيام الأولى من الحرب. كان من الواضح أن أمريكا قررت، فى ضوء رفض مصر لوقف إطلاق النار، إحداث تغيير جوهرى على الأرض يعيد التوازن إلى الموقف ويمنح إسرائيل مركز قوة.



يتناول أبوالغيط فى كتابه تلك الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء السوفيتى أليكسى كاسيجين لمصر وانتهت بعودته يوم 19 أكتوبر لبلاده وانتهت بالاتفاق على قيام السوفيت بالتفاوض مع الأمريكيين للاتفاق على تحرك سوفيتى -أمريكى مشترك لوقف إطلاق النار مع بدء انسحاب إسرائيل فور تحقيق وقف إطلاق النار تنفيذاً للقرار 242 مع الحصول على ضمانات أمريكية- سوفيتية مشتركة لتنفيذ كل عناصر هذا التفاهم. كانت المعلومات الواردة لغرفة القيادة المصرية تؤكد تزايد القوات الإسرائيلية بشكل كبير فى سيناء. لقد قام العدو الإسرائيلى باختراق لبعض النقاط ودفع بقوات برمائية عبر البحيرات المرة فى مواجهة منطقة الدفرسوار وهاجم الضفة الغربية للقناة بهدف تدمير المعابر الخاصة بقواتنا وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات والتى تعوق حرية الحركة لمقاتلاته القاذفة فى التصدى لقواتنا. وواجهت القوات المصرية كل محاولات إسرائيل بشراسة، إلا أن العدو نجح فى إحداث ثغرة الدفرسوار، التى كانت قواتنا تسعى لإغلاقها من الشرق والغرب معاً، وتتعرض لخسائر رهيبة ولكنها تقاتل بشراسة متناهية.



مصر تقبل وقف إطلاق النار



يتحدث أبوالغيط عن تفاصيل تلك اللحظات الحاسمة فى تاريخ المعركة مع إسرائيل قائلاً: «يوم الأحد 21 أكتوبر حضر أشرف مروان للقاء حافظ إسماعيل فى الثانية فجراً، واصطحبه إلى الرئيس، ثم عاد بعد فترة وجيزة وطلب مستشار الأمن القومى قيام وكيل المخابرات العامة رفعت حسنين باستدعاء ممثل المخابرات المركزية بالقاهرة لإبلاغه بإرسال رسالة إلى كيسنجر الذى كان يزور موسكو بموافقة مصر على وقف إطلاق النار على الخطوط الحالية وعقد مؤتمر سلام فورى بضمان أمريكى- سوفيتى بتحقق هذا الوقف للاقتتال وانسحاب إسرائيل. من الواضح أن الموقف العسكرى الصعب قد فرض هذا القرار».



فرض الموقف نفسه على الجميع، وسعى الرئيس السادات ورغم موافقته على وقف إطلاق النار لتكليف الفريق سعد مأمون بالعمل على تصفية الثغرة إن لم تستجب إسرائيل للانسحاب منها. ولكن لا يترك أبوالغيط تلك الجزئية دون الحديث عن إشارة حافظ إسماعيل إلى عدم ارتياحه لعلاقات القائد العام أحمد إسماعيل مع رئيس الأركان الفريق الشاذلى، وانعكاساتها على أسلوب إدارة المعركة، ونزاعهما فى الكيفية التى يمكن بها معالجة الثغرة فى شرق القناة وكذلك بدء وجود الجيب الإسرائيلى فى الغرب منها.. وهى مسألة كانت مثار الكثير من التحليلات على جانبى أصحابها.. من حيث نقل بعض الوحدات المدرعة من الشرق إلى الغرب من القناة لمعالجة الجيب أو الحفاظ على وجود الجيش الثانى والثالث وبكامل وحداته الأساسية فى الشرق دون تعديل للأوضاع مع إدارة المعركة بما هو متاح من احتياطيات لدى القيادة العامة والجيشين غرب القناة. ولذا يرى أبوالغيط أن الرئيس «السادات» سلك النهج الأكثر شجاعة لمعالجة الموقف حينما وضح له أن القوات الإسرائيلية بالثغرة أكبر كثيراً من أن تستطيع القوات المصرية التى تواجهها والقضاء عليها فى هذا التوقيت، كما أن التخفيف من الشرق والنقل إلى الغرب كان له أخطاره فى قدرة القوات على الحفاظ على رؤوس الكبارى تحت الضغط الإسرائيلى فى سيناء، وكذلك الإمداد الأمريكى الكبير إلى الجيش الإسرائيلى من خلال العريش، أو غياب الاحتياطيات المصرية بالغرب فى ضوء خسائرها من قبَل قوات إسرائيلية أكبر فى الجيب، ومن ثم بزوغ احتمال الحاجة إلى انسحاب شامل إلى الغرب وإضاعة كل إنجازات العبور، بل والتسوية السياسية المرضية لنا.



بعد ظهر يوم 21 أكتوبر أرسل الطرفان الأمريكى والسوفيتى لمصر موافقتهما على مشروع قرار سيتقدمان به إلى بقية أعضاء مجلس الأمن فى نيويورك يتضمن مطالب مصر التى سبق لها طرحها مع وقف إطلاق النار. وعقد مجلس الأمن اجتماعه فجر يوم الأحد 22 أكتوبر، وأصدر قراره الشهير رقم 338. وتم إعلان ساعة وقف إطلاق النار فى السابعة من مساء ذات اليوم، فى ذات الوقت الذى أكدت فيه المعلومات الواردة من الجبهة أن الفرقة 16 على الحد الأيمن للجيش الثانى، والتى تحملت صدمة الاختراق الإسرائيلى، ومعها الفرقة 21 حققتا ومعهما اللواء المدرع 14 من الفرقة 21 بعض النجاح واستعادوا بعض الأوضاع.



الاختراق



كالعادة لم تلتزم إسرائيل بقرار وقف إطلاق النار، ودفعت بقواتها يومى 23 و24 أكتوبر لتصل لميناء الأدبية جنوب السويس، وحاولت دخول السويس وحصار المدينة وفرقتى الجيش الثالث فى الشرق من القناة. وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «استمرت المعارك طوال يومى 24 و25 أكتوبر لتأمين فرق شرق القناة ومدينة السويس. وزادت وتيرة الاتصالات المصرية مع الجانبين الأمريكى والسوفيتى، وطرحنا الأمر على مجلس الأمن. وصدر القرار الجديد 339 لإلزام إسرائيل باحترام وقف إطلاق النار. واستشعر السوفيت أن أى نجاح إضافى لإسرائيل أو أى فشل مصرى سوف تكون له عواقبه الخطيرة على الصورة السوفيتية، ومن ثم تدخل «برجنيف» بحدة مع «نيكسون» وقرر السوفيت الإيحاء للأمريكيين بنيتهم فى التدخل للفصل بين القوات. وعلى الجانب الأمريكى، استجاب الأمريكيون للتحدى شكلياً، وأعلنوا حالة الاستعداد للقوات الأمريكية عبر العالم، إلا أن الأمريكيين كانوا منتبهين إلى أن السماح بنجاح إسرائيل فيما يتجاوز الحدود المرسومة لها يمكن أن يكون له عواقبه على إهدار فرصة كبيرة أو تاريخية لإمساك أمريكا بالموقف فى الشرق الأوسط وتحويله إلى صالحها بشكل كامل. صباح السبت 27 أكتوبر وافقت مصر على إيفاد ضابط مصرى برتبة لواء إلى النقطة 101 على طريق السويس للاجتماع مع ضابط إسرائيلى لبحث تفاصيل تنفيذ القرارين 338 و339 الصادرين عن مجلس الأمن فى الأيام الأخيرة.. وكذلك اقتراح إيقاف القتال كلية يوم السبت 27. وتحدد موعد اللقاء بالساعة 3 من بعد ظهر هذا اليوم، وأكدت مصر أنه سيصحب الوفد المصرى إلى الاجتماع فوج إدارى لسيارات تموين للجيش الثالث ومدينة السويس حمولة 60 طناً كإمداد للجيش الثالث. وهكذا التقى اللواء محمد الجمسى رئيس هيئة العمليات مع الجنرال أهارون ياريف.



وتم يوم 28 أكتوبر 1973 وقف العمليات العسكرية بعد أن حققت الحرب أهداف السياسة، ووضعت مصر على طريق التسوية النهائية التى ولدت منها كامب ديفيد ومعاهدة السلام. إلا أن المواجهة المسلحة انتهت وقد أصبح لمصر قوات رئيسية فى شرق قناة السويس. بينما كانت إسرائيل وبدعم أمريكى هائل، قد اخترقت القوات المصرية فى جيب يمتد من طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى حتى منطقة عتاقة وميناء الأدبية المطل على خليج السويس فى منطقة غرب القناة، كما فرض الحصار على مدينة السويس وجزء كبير من قوات الجيش المصرى الثالث شرق القناة. ولذا صدّق الرئيس على بدء المحادثات فى الكيلو 101 وبسرعة شديدة لتأمين عدم تعرُّض الجيش الثالث للأخطار. كان الجانب الإسرائيلى يرغب فى الحصول على قتلاه داخل مواقعنا وتبادل الجرحى والأسرى، وهو ما رد عليه اللواء الجمسى بأن موضوعات الأسرى مرتبطة بالعودة الإسرائيلية إلى نقاط التراجع التى يمكن للطرفين المصرى والإسرائيلى الاتفاق عليها باعتبارها تمثل خطوط 22 أكتوبر، كما طالب الجانب الإسرائيلى بتمثيل سياسى فى المحادثات لكى يبدأ الجانبان فى مناقشة تفاصيل الفصل بين القوات وبحث فض الاشتباك بينهما. ولذا قامت مصر بترقية اللواء الجمسى إلى مساعد وزير حربية ليمكنه التفاوض سياسياً وعسكرياً. وقد كُلف الجمسى بعرض المفهوم المصرى لفكّ الاشتباك، وهو المتمثل فى تحقيق الانسحاب الإسرائيلى من غرب القناة وصولاً إلى خط جديد شرق الممرات الرئيسية فى عمق سيناء وذلك فى مقابل السماح بتبادل الأسرى والجرحى والبحث عن القتلى ورفع اليد المصرية عن باب المندب والبدء فى تطهير قناة السويس وعقد مؤتمر السلام». وسجلتُ أيضاً فى هذا اليوم قولى: «أعتقد أن الجانبين سيتوصلان خلال الاجتماعات القادمة إلى وضع ثابت متفق عليه فيما يخص موضوعات الأسرى وإمدادات الجيش الثالث ومدينة السويس بشكل دائم.. كما سنبدأ من اليوم -30 أكتوبر- فى إمدادهم بأسماء الأسرى الإسرائيليين لدينا.. كما وافقنا على تبادل فورى للأسرى الجرحى.. وهو مطلب إسرائيلى مُلح وافقنا عليه فى مقابل إمدادات الجيش الثالث».



هنا نتوقف مع تعليق أبوالغيط قائلاً: «رغم هذا الوجود الإسرائيلى العسكرى فى منطقة غرب قناة السويس، إلا أن القيادة المصرية كانت تعى أنها قد حققت، وإلى حد كبير، الأهداف الاستراتيجية للحرب؛ إذ فرضت على الولايات المتحدة وخلفها إسرائيل حتمية التعامل مع المطالب المصرية فى تحريك عملية تفاوضية، ولو امتد إطارها الزمنى لسنوات لاستعادة السيطرة المصرية الكاملة على شبه جزيرة سيناء. كما كانت هذه القيادة تقدر، وبدقة أيضاً، أن الجانب الإسرائيلى قد وضع نفسه فى موضع تحمل الكثير من الأخطار الكبيرة إذا ما قررت مصر استئناف القتال وفرض فتح طريق وبالقوة إلى مدينة السويس ومن خلفها قوات الجيش الثالث أو قوات بدر الموجودة فى مواقعها بشرق القناة. لقد اتسمت هذه المرحلة فى الأيام التالية لوقف القتال ببذل جهد هائل للجيش المصرى لبناء الاحتياطيات والتمركز حول الوجود الإسرائيلى فى الغرب، وبكثافة مصرية غير مسبوقة فرضت على الجيش الإسرائيلى استمرار الاحتفاظ بمواقع دفاعية وقوات رئيسية يتهددها الحصار مثلها فى ذلك مثل حصارها للجيش الثالث، خاصة أن منفذ هذه القوات الإسرائيلية على قناة السويس وإلى أرض مصر خارج سيناء يتسم بالضيق الشديد ولا يتيح إلا عدة كيلو مترات من الأرض للإطلال على غرب القناة فى منطقة الجيب.. وهو وضع يعى كل العسكريين المتمرسين أنه يعرّض صاحبه كثيراً للمخاطر ويهدد توازن قواته بشكل خطير».



وهكذا عملت مصر، منذ وقف إطلاق النار فى 28 أكتوبر عام 1973، على محاور ثلاث، اقترنت ببعضها البعض، وحققت مصر فى نهايتها أولى مراحل التسوية السياسية المتمثلة فى فكّ الاشتباك الأول فى يناير 1974 ثم التحرك نحو فكّ الاشتباك الثانى فى عام 1975، وأخيراً صدمة زيارة القدس عام 1977، وصولاً إلى مفاوضات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية/ الإسرائيلية. ويبقى -كما يقول أبوالغيط فى كتابه- أن أهم ما كشفت عنه معركة 73، وكذلك مأساة 67، أن من لا يصنع سلاحه أو يوفر مصادر أجنبية متواصلة وسريعة له يبقى دائماً رهناً للضغوط.. كما أن عليه أن يتجنب الدخول فى مواجهات مسلحة واسعة؛ لأن خسرانه لسلاحه دون تعويض مناسب ومؤكد سوف يؤدى إلى خسرانه للكثير.




Eghelp
Eghelp
مشرف عام
مشرف عام

ذكر عدد المساهمات : 2823

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى